أبعاد العلاقة بين الأصل والنسخة
كلّ شيء نراه له شكل خاص وملامح معينة أي هو في نهاية المطاف هويّة مميّزة مستقلّة بذاتها. هذا الشيء يمكن أن تتولّد عنه نسخا بحيث يعتبر هذا الشيء في نفس الوقت سابقا عن النسخة من الناحية الزمنية والأصل في وجودها من الناحية الواقعية. وهكذا تكون العلاقة بين الأصل والنسخة علاقة وطيدة. من المظاهر الواقعية للعلاقة بين الأصل والنسخة نجد العلاقة بين الشيء وظلّه، بين الشخص وصورته الفوتغرافية، بين منظر طبيعي ورسم فنّان له، بين وثيقة إدارية وصورة لها.هذه العلاقة بين الأصل والنسخة تطرح إشكالا. فهل تمثل النسخة الأصل؟ ما معنى أن تكون النسخة طبق الأصل؟ هل ترتقي النسخة إلى مستوى الاصل؟
تفيد العلاقة بين الأصل والنسخة معنى الإرتباط والقطيعة في نفس الوقت.
- معنى الإرتباط: إن النسخة تشير بالضرورة إلى شيء معين، فصورة فتاة جميلة تشير إلى صاحبة الصورة دون غيرها. كما أن ظل شجرة لا يكون لجبل. فالنسخة هي البديل عن الأصل.ّ
- معنى القطيعة: لكن من جهة أخرى فالنسخة نسخة والأصل أصل ولا يمكن أن ترتقي النسخة إلى مستوى الأصل. فصورة فوتغرافية لفتاة لا شك تمثل صاحبتها ولكنّها ليست في نهاية المطاف من لحم ودم هي مجرّد ورقة. ونحن عندما نقول عن وثيقة إنّها نسخة طبق الأصل، فإننا نقصد بذلك أنها وفية للأصل ولا يعني ذلك أنها تحوّلت إلى أصل. فالأصل لا يمكن أن يكون كثيرا. وهو مهما كان(بال أو جديد،جميل أو قبيح...) وفيّ لنفسه بطبعه فهو هو.
إذا حاولنا أن نحصر أوجه الإختلاف بين الأصل والنسخة أو بالتحديد مجالات تفوّق الأصل على النسخة يمكن أن نجد:
أ- من الناحية الوجودية الأصل سابق على النسخة وبالتالي فالنسخة تابعة والأصل متبوع.
ب-الأصل يستمدّ قيمته من نفسه بينما النسخة تستمدّ قيمتها بمقارنتها بالأصل. فالأصل هو المرجع الذي يجب أن يحصل التطابق معه مهما كانت رداءته. فكأنّه النموذج والحقيقة العليا التي نتطلّع إليها، بحيث يعدّ كلّ خروج عنه خطأ وتزييفا حتّى ولو كان تجميلا وتعديلا. ومعروف أن الذي يستشهد بقول لأحد الكتّاب عليه أن ينقله كما هو حتّى ولو كان خاطئا. وإذا قام بإصلاحه عدّ ما نقله تزييفا.
ج- الأصل يعبّر عن نفسه بنفسه كأصل بينما النسخة تعبّر عمّا عبّر عنه الأصل أي أنّها تعبّر عن غيرها وليس لديها مضمون خاصّ بها.
د- النسخة تُعوّض بينما الأصل لا يعوّض. والمقصود هو أن الأصل لا يعوّض بأصل.