3. متى عاقبتم الناس بالفقر وقد ولدتهم أمّهاتهم أبرياء؟

ECRITS
0
حسن الولهازي (تونس) 


متى عاقبتم الناس بالفقر وقد ولدتهم أمّهاتهم أبرياء؟

بإعتبار أن الإنسانَ جسدٌ وروحٌ فإن له صفات ترتبط بروحه هي الصفات الرّوحية والمعنوية والأخلاقية مثل الذكاء والشجاعة والفضيلة...وهناك صفات أخرى عضوية ترتبط بجسده كالطول ولون الشعر والعيْنيْن وحدّة الرؤية والسمع...وإن كنّا نقبل أن بعض الصفات العضوية يرثها الطفل عن والديه كلون العينين والبشرة وبعض الأمراض(مثل السكري)، فإنّه يصعب قبول وراثة الصفات الروحية والأخلاقية. فغير صحيح أن الأب الذكي ينجب إبنا ذكيا أو الأب السارق ينجب إبنا سارقا والأم المشاكسة تنجب بنتا مشاكسة...وحتّى بالنسبة للصفات العضوية فهناك عديد الصفات لا تورّث فالأعمى لا ينجب أعمى والأعرج لا ينجب أعرجا والأبكم لا ينجب أبكما...
فإذا سلّمنا أن الصفات الرّوحية لا تورّث وأن بعض الصفات العضوية فقط-وهو قليل جدا- يورّث، تساءلنا عن صفة هامّة في حياتنا، صفة وأي صفة، هي صفة: الفـقـر.
فهل الفقر يورّث؟ ما معنى أن يولد الإنسان فقيرا؟ هل يُكتبُ علينا الفقر؟ وإذا كان الواحد منّا لا يملك عند مجيئه لهذه الدنيا غير جسده وروحه، والفقر صفة لا ترتبط لا بالجسد ولا بالرّوح، فأين كُتب علينا الفقر؟ وإذا كان الفقر مصيبة وإحتياجا  فأي ذنب إرتكبه المولود ومتى إرتكبه، حتّى يعاقب بالفقر؟
لمّا يولد الفرد في عائلة، فإنّه هو وإخوته يرثون ما يتركه الوالدان ويقسّم بينهم بالعدل. فإذا وسّعنا من نطاق العائلة واعتبرنا أن النّاس الذين يوجدون على الكرة الأرضية إخوة له، ألا يصبح من حقه عليهم قسمة الميراث بالعدل ومن حقّهم عليه مراعاة الأخوّة؟ طبعا المقصود هنا بالميراث هو خيرات الكرة الأرضية. فهو في نهاية المطاف إبن الكرة الأرضية، والكرة الأرضية هي له محلّ وموطن، فلماذا نحرمه من خيراتها ونحبسه في المتر المربّع الذي وُلد فيه؟ ما ذنب رضيع وُلد في أفقرعائلة صومالية؟ هل ذنبه أنّه وُلد في أفقر عائلة، في أفقر بلد؟ ثمّ ما هو مصيره؟ أليس التشرّد والضياع إن ظلّ حيّا؟ ماذا فعل حتّى يواجه منذ نعومة أظافره الجوع والمرض والجهل، ومصيبة المصائب الفقر؟ إذا كان الفقر عقابا- مثلما تفتك الحكومة ممتلكات شخص لأنّه لم يسدد ديْنًا لبنك أو للغير أو للدولة- فأي ذنب إقترفه هذا الرضيع حتّى يعاقب بالفقر ومتى إستدان حتّى يُطالب بردّ الديْنِ؟ هل الإنتساب للعائلة الفقيرة جريمة؟ قد يجيب بعض الأغنياء المستكرشين الفقيرَ فيقولون له: "إن الذنب هو ذنب والدك الذي كان كسولا فلم يترك لك شيئا. أمّا نحن فقد تعبنا كثيرا في سبيل الحصول على ثرواتنا". أكيد أن هذا الفقير سيجيبهم:"لنفترض أن كلامكم صحيح، فلماذا تأخذونني بذنب والدي؟ ومن أدراكم أنّه كان كسولا لماذا لا يكون قد ورث الفقر هو أيضا؟ وعلى إفتراض أن والدي قد جنى عليّ، فلماذا تواصلون أنتم هذا الظلم وتحرمونني من الشغل والعلاج والمعرفة؟ لماذا تسدّ كلّ الأبواب في وجهي لا لشيء إلا لأنني ولدت فقيرا؟
                                                    حسن الولهازي  
Tags

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top