في سبيل حوار بنّاء
عندما ننخرط في حوار ما، أو نستمع لمتحاورين بقربنا عادة ما يفضي الحوار إلى صراع وإلى تمسّك كلّ طرف برأيه خاصة في القضايا التي ترتبط بالعمل وأساسا المسائل الأخلاقية والسياسية والدينية. ليس المقصود بتمسّك كل طرف برأيه أن هناك مواقف متعارضة يقع اجترارها في كامل الحوار، بل الحقيقة أن هناك تقدّما في الحوار، ولكن كلّما قدّم أحد المتحاورين رأيا إلاّ ووقع الإعتراض عليه. فما هي علّة عدم الإتفاق في الحوار؟
قد نقول إن سبب عدم الإتفاق يعود إلى التعصّب واختلاف المصالح، واختلاف المستويات الثقافية للمتحاورين وكذلك اختلاف اهتماماتهم ومشاغلهم وهذه أسباب فعلية قد تؤدّي إلى عدم الإتفاق. ورغم شيوع هذه الأسباب إلا أنّها أسباب ثانوية إذ حتّى في صورة ما إذا قضينا عليها، يظلّ مع ذلك هناك خلاف. العلّة الرئيسية للخلاف في الحوار تكمن في طبيعة القضية وفي طريقة تعاملنا معها. فالقضية ليست قضية إلاّ لأننا نجد أنفسنا بين اتجاهين متناقضين نضطرّ لإختيار اتجاه منهما. مثال: هل نرسي النظام الرأسمالي ونقلل من تدخّل الدولة أم نرسي قواعد النظام الإشتراكي؟ هل نربط التكوين بالتشغيل أم نفصل بينهما ولا نقيّد التوجيه الجامعي؟ أيهما أولى العقل أم النقل؟ ما يحصل عادة في النقاش هو أن كلّ طرف يأخذ اتجاها ويظهر سلبية الإتجاه الآخر وهذا يعني –كما هو متأكد من خلال الحوار- أن كلّ اتجاه نسير فيه أو كلّ موقف نتبنّاه له سلبيته إن لم يكن في نظرنا فهو على الأقل حاصل في نظر الغير. فما كان هناك صراع إلا لأن هناك في كل موقف ما لا نقبله. ذلك هو سبب عدم الإتفاق بين المواقف. لا وجود لحلّ مثالي يقنعنا جميعا. الغريب في الأمر أن كل طرف يتمسّك بموقفه ولا يأخذ بعين الإعتبار نقد غيره له. قد يكون واع بأن الحلّ الذي انتهى إليه ليس هو الحلّ المثالي ومع ذلك لا يراجع موقفه ولا يستفيد من نقد غيره. وعوض أن يعمد إلى نقد ذاتي، يعمد للتصعيد ويبحث عن اعتراضات أخرى على موقف محاوره. وما يقوم به هو تجاه محاوره، يقوم به محاوره تجاهه. طبعا يبدأ الحوار ببيان كلّ طرف لقيمة موقفه وضرورته وعندما يشتدّ الإعتراض عليه، يدافع عن موقفه ببيان سلبية الموقف المعارض.
فما هو الحلّ لهذا المشكل؟
يجب أن نعي أنه لا وجود لحلّ مثالي، كما أن مركز الإهتمام في الحوار يجب أن يتغير من بحث عن الوجهة الواجب إتباعها إلى البحث عن الوجهة الأقل سلبية. لا تقل لي"موقفك سلبي" لأنني أعرف ذلك ولكن ما هو جدير بالبحث هو:هل أن موقفي أكثر سلبية من موقفك؟ هل هو سلبي أم إيجابي بالمقارنة مع موقفك أو مواقف أخرى؟ فما يجعل حوارنا عقيما هو أننا نعالج المواقف في حدّ ذاتها ولا نقيّمها في علاقتها ببعضها البعض. طبعا إذا أخذنا كلّ وجهة بمعزل عن الأخرى، إما أن ننتهي إلى رفضها لأنها سلبية أو أن نزعم أنّها ايجابية لأننا نستخفّ بنقد غيرنا. إذا على كلّ طرف في الحوار أن لا يدافع عن موقفه في حدّ ذاته مظهرا محاسنه، ولا ينقد رأي غيره في حدّ ذاته مظهرا عيوبه، وإنّما يبيّن أن عيوب موقفه أقلّ من عيوب غيره. وهكذا فإن الموقف الأصلح للإتباع ليس هو السليم وإنما ما هو أقلّ ضرر بالمقارنة مع المواقف الأخرى.
حسن الولهازي