16. هل الوعي نعمة أم نقمة؟

ECRITS
0
                                                                          

حسن الولهازي (تونس)

هل الوعي نعمة أم نقمة؟

أولا:الإنسان متميّز عن الكائنات الطبيعية لأنّه واع وحرّ
رغم أن الإنسان يشترك مع الموجودات الطبيعية في إمتلاكه لجسم وخضوعه نسبيا للغريزة إلاّ أنّه يختلف عن الكائنات الحيّة في خضوعها الكلّي للغريزة، ويختلف عن الكائنات الجامدة في خضوعها الكلّي للحتمية نظرا لتفرّده بميزة الوعي. وتبعا لذلك يُنظر للوعي على أنّه نقيض الغريزة ونقيض الحتمية. وأن نعتبرالإنسان كائنا لا يخضع للحتمية، معناه أنّه حر،ّ له في ذاته مبدأ الإقدام على الفعل أو الإحجام عنه. إذا تبدو الحرّية كأنّها ميزة تُخرج الإنسان عن سيرورة الأحداث وتجعله عالما مستقلا بذاته.
ثانيا:إن الإنسان وإن كان لا يخضع للحتمية فإنّه يخضع للسببية وهو ما يلغي حرّيته
لكن هناك عاملان على الأقلّ يبيّنان أن هذه الحرية هي في الواقع مجرّد زعم.
1.نلاحظ أن السلوك الإنساني ليس إلا إستجابة لمؤثرات طبيعية وإجتماعية. وبإعتبار أنّ رد فعل الإنسان من أجل الصحّة النفسية يجب أن يتناسب مع هذه المؤثرات يصبح الواقع نفسه هو الذي يملي نوعية الإستجابة. إنّ الوسط الذي نوجد فيه هو السبب في تحديد مواقفنا (البعد النظري) وسلوكنا (البعد العملي).
2.ثمّ من جهة أخرى نحن لا نريد شيئا إلاّ في إطار ما نعرف. فنحن لا نريد المجهول بل المعلوم. فالإرادة تتحرّك في مجال المعرفة وبإعتبار أن لا معرفة إلاّ للواقع، يصبح الواقع إطارا يحدّد المعرفة والمعرفة إطارا يحدّد الإرادة. إن كان الأمر كذلك فذلك يعني أن الإنسان لا يخلق ما يريد، وإنّما يتّبع الممكن تحقيقه. وحتّى ما يريده ما أراده إلاّ لأنّه يمكن أن يريده. وطالما أن تحديد الإرادة هو نفي لها، نستنتج أن لا حرّية حقيقية للإنسان على الأقلّ ظاهريا.
ثالثا:هل يتمثّل دور الوعي في تحرير الإنسان أم في إشعاره بعبوديته؟
بالرّبط بين المعطيات السابقة نكتشف أن وضع الإنسان في الطبيعة غريب حقّا. فهو يخضع لعدّة عوامل كالحيوان ولكن يخضع لها وهو واع بها. هذه الوضعية تجعلنا نتساءل: ما هي قيمة الوعي؟ كيف لا يكون الوعي سلطة ذاتية للقرار؟ كيف يكون الوعي أداة لتمرير الخضوع ولا يخلّص الإنسان منه ليكتسب حرّيته؟ هل كُتب على الإنسان أن يكون له وعي ليعي أن لا قيمة له بإعتبار أنّه يجد نفسه دائما أمام ما يتوجّب عليه إختياره؟ أليست وضعية الحيوان أرحم، فهو مطمئنّ البال لا يحنّ لماض ولا يؤرقه حاضر ولا يتشوّق لمستقبل؟ هل الوعي نعمة أم نقمة؟ أي جدوى لهذا الوعي؟
-فإن قلنا من أجل أن يعي بتجاوزه للطبيعة وتميّزه عن بقية الكائنات، قلنا لا حاجة للإنسان بوعي لا يوصله لإثبات قيمته تجاه نفسه طالما أنّه يقوم بتوعيته بخضوعه وبفشله. فالتميّز لا يعني الإمتياز.
-وإن قلنا إن الحرية هي في إتباع الضرورة (حرية العقلاء كما يسمّيها البعض )، قلنا إن الإنسان يقول ذلك لا لأنّه يريده بل لأن مجبر على ذلك. فهو بهذا الكلام يعزّي نفسه ويواري ضعفه.
فهل بعد كلّ هذا نطبّل ونزمّر ونهلّل للوعي؟ أليست الحقيقة أن الإنسان أُعطي له وعي لكي يعي أن لا قيمة له؟
حسن الولهازي    
Tags

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top