حسن الولهازي (تونس)
التراجيديا الإنسانية
اليوم اشتريت كفني، أريد أن أتأمّله مليّا قبل أن ألبسه يوم لا أكون واعيا بذلك. لبستُ الكفن وتمدّدت في الفراش، نظرت لطولي، تُرى كيف سيجدني من سيدفنونني؟ هل سيجدونني ثقيلا أم خفيفا؟ لا أعرف فقد أمرض في أواخر أيّامي وأصاب بالهزال وقد تبتسم لي الأيام في أواخر حياتي فأسكن قصرا ويكون لي خدم وحشم. لا يهمّني كيف سيجدنونني، المهمّ هو أن أطمئنّ على نفسي. ها أنا إطمأننت على الكفن، إنّه جميل، أنيق ومريح. بقى لي الآن إختيار المكان الذي سأدفن فيه، وهو مكان الذي سأرقد فيه قرونا إذا نجا من الإكتساح العمراني.
يجب أن أرحل عن هذه الحياة وبسرعة. كم أتمنّى أن تكون لي شجاعة المنتحرين أو تنتابني كحّة تعصف بروحي. لم يعد يشدّني إلى هذه الحياة شيء. كلّ ما هناك يوحي بالتفاهة. أشعر بغربة عميقة، فهذا العالم ليس عالمي. يبدو أنّني وُجدت خطأ أو بالأحرى نتيجة خطيئة. نوجد نتيجة عملية قذرة، ونظلّ نكافح ونقاوم الفقر والجهل والأمراض ونؤخر الموت. ولكن كلّ تلك الحركات مسكّنات وعبث، فسرعان ما تنهش الأمراض أجسادنا إلى أن ينقضّ علينا الموت، إمّا بغتة أو بعد صراع ولكن الإنتصار له دائما. هل هذا ما يشرّف الإنسان ويعظّمه؟ هل وُجد الإنسان لينكّل به؟ إن الحياة رحلة عذاب نهايتها مأسوية. تراجيديا بأتم معنى الكلمة. وطالما أن هذه المأساة حاصلة عاجلا أم آجلا، فمن الأحسن أن تكون عاجلا، فعلى الأقلّ يكون الإنسان قد أراح نفسه من كفاح لا جدوى منه ومن وعيه بأنّه سيموت. ورغم قناعتي بعبثية الحياة، فأنا أعجز شخص عن الإنتحار. فلا أنا قادر على إتيانه ولا أنا قبلت حياتي، بل أكثر من ذلك فقد زوّدت بهذا التفكير همّي. رحماك يا ربّ‼‼
نشرت بجريدة "الأخبار" التونسية بتاريخ 24 ديسمبر 2009