3. التعبير عن أوجاعنا

ECRITS
0

حسن الولهازي (تونس)  

"نحتاج بين الحين والآخر أن نبوح بأوجاعنا لشخص غريب كي يحملها ويرحل"

مهما كانت قوّة الشخص على تحمّل ما يتعرّض له من مصائب، فهو محتاج للغير ليحمل عنه أو على الأقلّ ليحمل معه بعض تلك المصائب. ولكن لماذا يحتاج الفرد للغير ليبوح بأوجاعه؟ إن الأوجاع التي نشعر بها لها أسبابها. وأسبابها هي مشاكل مختلفة. هناك مشاكل يمكن أن نتغلّب عليها ولكن هناك مشاكل نحتاج تجاهها لمساعدة الغير حتّى ولو كانت تلك المساعدة مجرّد سماعنا.

فنحن عندما نبوح بأوجاعنا، نكون كمن اقتلع ضرسا يؤلمه. نريد من الغير أن يسمعنا وفي نفس الوقت نريد  أن نسمع منه الكلمة طيّبة والنصيحة والتشجيع وتقوية العزيمة. بتعبير آخر نحن نبحث عن التخفيف عنّا والتعاطف معنا. في بعض الأحيان يكفي أن تجد صديقا مخلصا يقول لك " أنا معك وستجدني إلى جانبك وقت ما تطلبني"، حتّى يكون ذلك بمثابة المفتاح السحري لتغيّر مزاج الشخص من الألم إلى الارتياح ومن القلق إلى الهدوء ومن التشاؤم إلى التفاؤل.

وأحيانا يحتاج الشخص للتصريح بأوجاعه لا ليظفر بتعاطف أو تخفيف ولكن ليسمع توبيخا على عمل ندم على القيام به. فما حصل خلّف له جرحا، وعلاجه هو أن يسمع لوما وتوبيخا من السامع. هو شكل من أشكال عقاب الذات لذاتها. ولكن ما يربحه بالمقابل هو تلك الرّاحة النفسية التي يشعر بها عقب التصريح. وكأّنه بالبوح بأوجاعه يعطيها للسّامع وهكذا يتطهّر من إثمه ويعلن توبته ويفتح صفحة جديدة في حياته. والاعتراف بالخطيئة عند المسيحيين يدخل في هذا الباب.

  الغير الذي نحدّثه بأوجاعنا أنواع. لكن بصفة عامّة إمّا أن يكون قريبا: أب، أمّ، أخ،... أو مقرّبا نثق فيه: نسيب، صديق، زميل... والحرص على أن يكون المشتكى له قريبا أو مقرّبا هو بسبب الخوف من إفشاء الأسرار.هل يعني ذلك أن الغرباء لا نحدّثهم بأوجاعنا؟ لا! هناك طائفة من الأوجاع –والعياذ بالله- لا نقولها إلاّ لأنفسنا أو "لغريب يحملها ويرحل". أوجاع هي من قبيل الأسرار نخاف أن يسمعها حتّى المقرّبون. نحن محتاجون أن نتحدّث فيها ولكن لا نريد أن يسمع بها من يعرفنا. فلن يكون السامع غير غريب لن نلتقي به مجدّدا. كأن يحصل ذلك بين ركّاب طائرة من قارّات مختلفة. في طائرة معلّقة في الفضاء بعيدا عن الكرة الأرضية يمكن للفرد أن يشتكي لجليسه، يبوح وينوح إن أراد.

يتبيّن ممّا سبق أن الإنسان مهما علا شأنه يبقى محتاجا لغيره ليسمعه ويخفّف عنه، خاصّة وأن هناك مشاكل لا حلّ لها إلاّ بإسماعها للغير وبالمقابل يسمع منه ما يخفّف عنّه. وجدير بالذكر هنا أن بعض الشباب تجده معجبا بعضلاته المفتولة يسخر من الكهول والشيوخ ويشعر أنّه ليس في حاجة للغير، حتّى إذا ما كبر، أذلّه الزمان وكثرت أوجاعه عرف قيمة الغير وبحث عنه ليسمعه ويساعده.

 

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top