"إنّنا لا نكون تعساء إلاّ
بقدر ما نعتقد أنّنا كذلك"
سيناك (فيلسوف روماني القرن الرابع بعد المسيح)
لمّا قال سيناك ذلك، اعتقدَ أن حالاتنا النفسية تتوقّف على مواقفنا من أنفسنا.
فالتعيس هو الذي يعتقد أنّه تعيس. وإن لم يكن تعيسا فإن موقفه ذاك يجلب له
التعاسة. وهو يرمي من وراء ذلك إلى القول إن سعادتنا أو تعاستنا هي في متناولنا،
طالما أن مواقفنا من أنفسنا نحن الذين نحدّدها. وتحديدها هو عمل معنوي بسيط و ممكن
وسهل وهو مختلف عن تلك الأشغال المادّية المضنية كصعود الجبال أو السير في الصحراء
أو رفع الأثقال. وكأن سيناك يريد أن يقول لنا إن سبيل السعادة سهل وبسيط جدّا إذا
يكفي تغيير الموقف فحسب.
فهل صحيح إن مواقفنا من أنفسنا هي علّة حالاتنا النفسية؟
ما غاب عن سيناك هو أن الاعتقاد هو إلى حدّ بعيد انعكاس لما يحدث في الواقع.
هناك حتمية بين الواقع كسبب والاعتقاد والحالات النفسية كنتيجة. فلا أستطيع أن
أعتقد أنّني أحسّ بالحرارة وأنا أسير على الثلج. ولا أستطيع أن أعتقد أنّني أحسّ
بالشبع وأنا لم آكل منذ أيّام.
متى يكون هذا الحكم الذي وضعه سيناك صالحا؟
ليكون الإنسان سعيدا لا يكفي أن يعتقد أنّه سعيد بل إنّه لا يستطيع أصلا أن
يعتقد أنّه كذلك إذا كان يحيا في ظروف مادّية تعيسة. الأسس الأولى للسعادة هي
أوّلا وقبل كلّ شيء أسباب العيش الكريم. ونقول الأسس الأولى لأنّها قد تكون
بالنسبة للبعض سببا كافيا لسعادة قصوى ولكن تكون بالنسبة لمن له هموم ميتافيزيقية
ووجودية غير كافية. وتبعا لذلك:
-إذا كنّا نحيا في بحبوحة من العيش وكنّا نعتقد أنّنا سعداء فقد تمّت لنا شروط
السعادة ونحن سعداء فعلا.
-وإذا كنّا نحيا في بحبوحة من العيش وكنّا نعتقد أنّنا تعساء فنحن تعساء أو
على الأقلّ سعادتنا ناقصة.
-وإن كنّا نحيا في ظروف مادّية تعيسة ونعتقد أنّنا تعساء فقد تمّت لنا شروط
التعاسة ونحن تعساء فعلا.
- وإن كنّا نحيا في ظروف مادّية تعيسة وكنّا نعتقد أنّنا سعداء، فنحن إمّا
أغبياء أو أنّنا نغالط أنفسنا. لأنّ السبب الأوّل والرّئيسي للسعادة هو في العيش
في ظروف مادّية مريحة وصحّية. فالظروف المادّية التعيسة لها سلطتها ولا يمكن تكذيب
ما تبعثه فينا من أحاسيس مؤلمة.
فهل يعني هذا أن أسباب العيش الكريم كافية للسعادة؟ لا طبعا! لن نكون سعداء
لمجرّد أنّنا نحيا في بحبوحة من العيش، في هذه الحالة لا بدّ من توفّر شرط ثان وهو
اعتقادنا أنّ لاشيء ينقصنا.
ويمكن بسهولة أن نكون تعساء لمجرّد أنّنا نعتقد أنّنا تعساء حتّى ولو كنّا
نحيا في بحبوحة من العيش.