النص 14. تجربة اليومي عند هيدجـــــــــــر

ECRITS
0

                                                    حسن الولهازي (تونس)

تجربة اليومي عند هيدجـــــــــــر

الـنـــــصّ:يقول هيدجر:

" إثر نهاية الدرس أغادر مبنى الجامعة، فألمح على الرّصيف المقابل أحد معارفي يحيّينى فأبادله التحيّة. و أنا مار أمام الكلوزيوم يتناهى إلى مسمعي صوت موسيقى فأتذكّر حينئذ بأنّي أودّ الذهاب إلى المسرح هذا المساء، و عليّ قضاء بعض الشؤون قبل ذلك، و عدم الوصول متأخّرا. و في غمرة هذه الخواطر كلّها تحضرني فكرة ما مفادها أنّني في لحظة ما من لحظات الدرس لم أنجح في تقديم صياغة تعبّر بصدف عمّا رأيته من قبل. و أنا أتابع الخطى يستغرقني التفكير في ما يتعيّن عليّ أن أسوّيه في الحال. و بينما أنا كذلك إذ يتبدّى لي حشد من البشر، و عند تقاطع شارعيْن أدخل محلاّ لبيع التبغ فأشتري منه سجائر سويسرية، و أسمع رجلا خلف مبسط السلع يروي بحيوية بينة أحداث مقابلة كرة القدم الأخيرة، فيشدّني ما يرويه لا كيفية روايته، و ببساطة، أتبيّن و أنا أضع مشترياتي في محفظتي أنّه ازداد حيوية و انتشاء بفعل الأداء المميّز لأحد متوسّطي الميدان.

فأيّة تجربة حصلت لي إذا؟ إنّها تجربة تفاهات، تجربة وقائع يومية صغيرة. و لكن لا بأس ففي مقدورنا كذلك خوض تجربة الأشياء المهمّة. المهمّ هو أن ما جربته موجود فعلا.

                                            مارتن هيدجر

الـتـمـهـيـد

لا شكّ أن المجتمع له فضل كبير على الطفل. بفضله يكتسب الطفل اللغة و يتجوهر بالشخصية الأساسية لذلك المجتمع، فتكون له جنسية و يشعر بالانتماء لوطن له تاريخ و له عظماء. فمتى شبّ ذلك الطفل، انخرط في الحياة الاجتماعية فتكون له حاجيات و انشغالات و واجبات و باختصار ينخرط في الحياة اليومية أو اليومي.

الإشـكالـيـة

ما هي مكوّنات اليومي؟ ما هي قيمته؟ هل هو مساعد أم عائق؟ أيّة فائدة تحصل للفرد من تجربة اليومي؟ و إن كانت هي تجربة تفاهات، فما هي تجربة الأشياء المهمّة؟

المـــحاور

I. مكوّنات اليومي

II. تجربة اليومي هي تجربـة تفاهات

 الـتـحـلـيـل

ما هي مكوّنات اليومي حسب هيدجر؟

يتكوّن اليومي من:

ـ الأعمال الروتينية التي نقوم بها.

ـ المناظر التي نشاهدها في الأرصفة و الأنهج و الأسواق ...

ـ الأصوات التي نسمعها: أحاديث الناس، أصوات محرّكات...

ـ الخواطر المتعلّقة بانجاز الشؤون اليومية وقضاء الحاجيات و القيام بالواجبات.

ـ التعامل مع أفراد المجتمع: بيع، شراء، سؤال، طلب....

ـ المواقف التي نشكّلها انطلاقا ممّا نرى و نسمع: نفور، استحسان،...

ما يلاحظ في هذه المكوّنات أنّها مكوّنات حياة الإنسان العامّي المنغمس في مشاغل الحياة اليومية. ويحيا حياة روتينية.

ماذا يسمّي هيدجر تجربة الوقائع اليومية؟

يسمّيها تجربة تفاهات. بتعبير آخر الحياة اليومية بما هي عليه ليست حياة ذات قيمة ولا تشرّف الإنسان. لأنّ الذي يحيا في التفاهات لا شكّ أنّه سيتأثّر بذلك ويكون مستواه منحطّا، فيناقش التفاهات ويهتمّ بالسخافات.

الطريف في الأمر أن التفكير في قيمة الحياة اليومية لا يندرج ضمن الحياة اليومية. وكأنّ هذا التفكير يتمّ في زمن ليس ضمن الحياة اليومية. هذا هو معنى التعالي على الحياة اليومية. تبدأ تجربة الأشياء المهمّة بالتفكير في اليومي و الحكم عليه بأنّه تجربة تفاهات لا تسمو بالإنسان. و عندما نقول هذا الكلام فهذا يعني أن علم العالم وفنّ الفنّان و هندسة المهندس ومنحوتات النحّات وسياسة السياسي... كلّ هذا الأعمال الجليلة رغم قيمتها لا تخرج هؤلاء من تجربة التفاهات. من هو على الربوة لا يراها. لرؤيتها ككيان ماثل أمامنا لا بدّ أن نبتعد عنها. وهذا هو عمل الفيلسوف. العمل الوحيد الذي يخرج الإنسان من هذه تجربة التفاهات هي الفلسفة.

تعليــــــــــــــــق

يجب أن نلاحظ في النهاية أن هيدجر تحدّث عمّا يجب أن يكون وهو التخلّص من تجربة التفاهات و الإرتقاء إلى "تجربة الأشياء المهمّة" أو التفلسف ولكن هل هذا الواجب في مقدور كلّ شخص؟ وهل من ظلّ مقيّدا بالحياة اليومية نحمّله المسؤولية وننعته بالتفاهة والتقاعس؟ الواقع أن التخلّص من نير الحياة اليومية ليس أمرا هيّنا. وحتّى الذي يعي أنّه حياته تافهة لا يكفيه ذلك الوعي ليتخلّص من تلك الحياة البغيضة. ضغوط الشغل والواجبات الأسرية (العناية بأفراد العائلة....) والاجتماعية(الالتزام بآداب الطريق، مساعدة المحتاج....) وضرورة الالتزام بالقانون (خلاص الفواتير، احترام قوانين السياقة...).... كلّ ذلك ينهك الفرد ولا يترك له إلا مساحة ضيّقة لنفسه. فهو مغترب. يلهث من أجل البقاء وليس له حتّى المزاج الذي يؤهّله للخوض في القضايا الميتافيزيقية و الوجودية. كان الله في عون الجميع.

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top