الموضوع رقم 2: هل ينبغي أن نخشى الآخر من حيث هو كائن ثقافي؟

ECRITS
0

                                                             حسن الولهازي (تونس)

الموضوع: هل ينبغي أن نخشى الآخر من حيث هو كائن ثقافي؟

المقدّمـــة

لا يختلف اثنان اليوم في ظلّ الثورة الاتّصالية والمعلوماتية والعولمة الاقتصادية على أنّ العالم قد تحوّل إلى قرية كونية بالمعنى الجغرافي تتداخل وتتكامل فيها مصالح ومصائر الشعوب على نحو لم يكن له نظير في العصور القديمة، فقد ولّى بالنسبة للشعوب، عصر التقوقع والانغلاق على الذات وحلّ محلّه عصر الانفتاح والتفاعل مع الشعوب الأخرى على وجه الاختيار أو الاضطرار. ومن المؤكّد أنّ لهذا الواقع الحضاري الجديد مزايا ومخاطر فهو بقدر ما أفاد الشعوب من جهة التواصل والتثقف والتكامل الاقتصادي، بقدر ما طرح على أرض الواقع تحدّيات وأزمات وتخوّفات تتعلّق بالهوية وشروط حفظها وباللقاء بالآخر وكيفية التعامل معه على نحو يجنّب الشعوب فواجع الاصطدام والهيمنة ،

الإشكالية

فهل أن الاحتكاك بالآخر الثقافي هو نذير حياة يجب أن نرحب به؟ أم هو نذير موت يجب أن نخشاه؟ هل يشكّل الآخر من حيث هو مختلف عنّا ثقافيا خطرا يجب علينا أن نخشاه ونحتاط منه؟ ألا يفيدنا هذا الآخر من حيث هو كائن ثقافي في إثراء هويتنا وثقافتنا بشكل ما؟

التحليل

I.مبرّرات الخشية من الآخر من حيث هو كائن ثقافي

1. الخوف من فقدان الهوية

لكلّ مجتمع هوية وهذه الهوية تشكّلت عبر التاريخ فهي التي تحدّد ملامحه وتضفي عليه قيمة. لذلك يتمسّك كلّ مجتمع بهويته ولا يفرّط فيها حتّى ولو كان مقابل التفريط فيها هو رغد العيش. ضياع الهوية معناه الاستعمار والاغتراب. كيف يحصل هذا الاغتراب؟ يحصل عبر ثقافة الاختراق.

2. الخوف من ثقافة الاختراق

ثقافة الاختراق هي الثقافة التي تعتبر نفسها نموذجية و تفرض على غيرها الانقياد إلى قواعدها وأسلوب حياتها بحيث تتسبّب في سلب الخصوصيات والقضاء على الهوية الثقافية للغير. من تبعات ثقافة الاختراق حلول التشابه محلّ الاختلاف وهيمنة الثقافة الواحدة بدل التنوّع الثقافي. وهكذا نكون أمام مجتمعيْن أحدهما مسيطر بفلسفته ودينه علمه وفنّه... والآخر تابع له في كلّ شيء حتّى في التفكير وبالتالي إصدار الأحكام. هل تهدف الثقافة المهيمنة إلى الهيمنة الثقافية على بعض المجتمعات الفقيرة فقط؟ لا! إن هدفها أعظم من ذلك بكثير. هدفها هو العولمة. فما هي العولمة وهل هي دافع للخوف من الآخر الثقافي؟

3. العولمة دافع للخوف من الآخر الثقافي

العولمة توجّه سياسي يهدف إلى نشر الثقافة الغربية ونمط الحياة الغربية في كلّ أرجاء العالم. ومن أهمّ تبعات هذا التوجّه فرض النمطية وثقافة التشابه أو التماثل التي تقضي على التنوّع وتقصي الاختلاف. وقد دعّمت هذا التوجّه العديد من الأطروحات مثل أطروحة هنتيغتون (Samuel Huntington) الداعمة لتفوّق الحضارة الغربية، وكذلك فوكوياما  (Francis Fukuyama)الذي مجّد القيم الغربية واعتبرها أرقى ما أدركه الإبداع البشري تاريخيا.

إن العولمة من جهة أولى هي نذير موت للشعوب المهيمن عليها إذ تهدّد خصوصيتها الثقافية عبر غربنة وأمركة العالم أي نشر نظم عيش وتفكير المجتمعات الغربية حول العالم وتكريس التماثل والتجانس على نطاق عالمي بإشاعة ثقافة استهلاكية موحّدة تهدّد التنوّع الثقافي. كما أن العولمة الاقتصادية الرأسمالية ليست الإطار المناسب لتحقيق التوازن بين حفظ ما هو خصوصي والانفتاح على ما هو كوني، بل هي عكس المنتظر منها تهديد مزدوج للخصوصي والكوني تبشّر بنظام عالمي بلا ضمير وبلا ألوان ثقافية تحكمه "ديانة توحيدية جديدة هي ديانة السوق" كما يقول روجي غارودي.Roger Garaudy)

سؤال التخلّص:

 فأي قيمة لهذه الكونية التي تنبني على الهيمنة وتحوّل المجتمع البشري إلى قطيع؟ أليست لكلّ ثقافة قيمة يجب الحفاظ عليها؟ ألا تكون العلاقات بين المجتمعات أفضل وأسلم إذا رضينا بالاختلاف؟

II. ثقافة الآخر ليست خطرا على هويّتنا ولا يجب أن نخشاها

1.في المثاقفة اعتراف بالإختلاف

إذا بُنيت العلاقة مع الآخر على أساس المثاقفة لا العولمة كانت العلاقة مثمرة لكلّ الأطراف. المثاقفة هي مجموع الظواهر الناتجة عن احتكاك مستمرّ ومباشر بين مجموعات أفراد تنتمي إلى ثقافات مختلفة تؤدّي إلى تغييرات في الأنماط الثقافية الأوّلية للجماعة أو الجماعات وتعبّر عن التبادل المثمر في ما بينها على نحو يُغني خصوصياتها دون أن يتسبّب في زعزعة هويّاتها. لابدّ من النظر إلى مصطلحي الهوية والاختلاف على أنّهما متلازمان لأنّ الاختلاف يُفهم هنا على أنّه اعتراف متبادل بين المجتمعات بحقّ كلّ مجتمع في المحافظة على خصوصيته المختلفة عن غيرها. فاعتبار ثقافة الصيني مثلا تختلف عن ثقافتي يوازيه تسليمه باختلاف ثقافتي عنه. فمن شروط التعايش السليم بين الثقاقات، التكافؤ في الحضور فلا مجال للتفاوت و التفاضل بين الثقافات مادامت قواعد التعامل بينها مبنية على الأخذ و العطاء. ثانيا النظر للآخر على أنّه كيان مختلف بصورة تفتح على أفق الحوار و التعارف. ثالثا التلاقح الثقافي الذي يثري خصوصيات كلّ الأطراف.

مع التسليم بالاختلاف بما هو كثرة يتّصف بها واقع البشر على عدّة مستويات (بيولوجي، شخصي، ثقافي)، تنعدم الخشية من الآخر الثقافي. هذا الأسلوب ـ أسلوب المثاقفة ـ هو الكفيل بإرساء حوار عقلاني يقوم على الاعتراف بالمغاير والمختلف ويحمل معنى اللقاء بين الثقافات المختلفة. ما هي الفوائد التي تجنيها المجتمعات من المثاقفة؟

2.المثاقفة عامل تطوّر ثقافي لكلّ الأطراف

الفائدة التي تحصل للمجتمع الذي ينخرط في عملية المثاقفة هي الإطلاع على نمط آخر أو طريقة أخرى في النظر إلى الأشياء وطريقة أخرى في التعامل مع الواقع المحيط وطرق أخرى في التغلّب على الصعوبات الحياتية. وهكذا يتوسّع أفق تفكير الجميع وتتحسّن ظروف الحياة ويحصل التقارب والتآخي بين الشعوب باعتبار أن ما كان نظنّه غريبا يجب أن نحذره تبيّن لنا أنّه مفيدا لنا في معرفة ذواتنا ومعرفة الكون وكذلك معينا لنا على مواجهة ظروف الحياة.

التعليق

الواقع أن الخشية من الآخر قبل الاحتكاك به هي خشية مبرّرة لأنّ بعض المجتمعات للأسف الشديد تطوّرت علميا و تقنيا لكن مازلت في خطواتها الأولى من الناحية الأخلاقية. ولنا في الولايات المتّحدة الأمريكية مثالا. فهي رغم تطوّرها العلمي و التقني فإنّها تعدّ راعية الإرهاب في العالم.

الخاتمــــــة

في الواقع كلّ مجتمع يوجد بين طرفين كلاهما سلبي. فهو ممزّق بين الرغبة في المحافظة على الهوية لكن ذلك يمكن أن يؤدّي به إلى الانغلاق والتقوقع على ذاته، وبين رغبة الانفتاح ومواكبة ما يحصل في العالم لكن يخاف أن يؤدّي به ذلك إلى ضياع الهوية والانصهار في الآخر. إن الحلّ  السليم يكمن في المثاقفة فهي السبيل الذي يخلّصنا في نفس الوقت من الانغلاق على أنفسنا ويخلّصنا من الانبهار بالقيم المزيّفة.

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top