الدراسة 17: موقف جون بول سارتر من الآخر

ECRITS
0

                     حسن الولهازي (تونس)

موقف جون بول سارتر من الآخر


علاقة الأنا بالآخر لها وجهان في نظر سارتر. وجه سلبي ووجه ايجابي.


1. الوجه السلبي في علاقة الأنا بالآخر

يقول سارتر "الجحيم هو الآخرون" « L’enfer, c’est les autres » لماذا هذا الحكم القاسي على الآخر؟ السبب هو أن الآخر بحكم ما يمتلكه من وعي يحوّلني إلى موضوع أي يشيّئني (أي كأنّني شيء أمامه يدرسه). وهذا ما يسمّيه سارتر "النفي" la négation أي نفي الآخر للأنا كذات واعية والنظر إليها كموضوع. طالما أن الآخر لا ينظر إليّ كما أنظر إلى نفسي، فإنّ نظرته لا تريحني. وما يزعجني أكثر ليس فقط هذه النظرة التشيئية لذاتي الواعية، بل أكثر من ذلك نظرته الفاحصة تربكني وتزعجني وتحرجني لأنّي أعلم أنّه يلتهمني بنظراته وهو يراقب حركاتي وسكناتي وينقّب في عيوبي. إن نظرة الآخر تحرمني من أن أكون كما أريد، تحرمني من أكون عفويا في التصرّف وتدفعني إلى أن أحسب كلّ حركة أقوم بها. عندما أكون تحت المراقبة أشعر أنّني في سجن.

ويجب أن نلاحظ هنا أن المشاعر السلبية التي تنتابني بسبب نظرة الآخر لي، تنتاب الآخر بسبب نظرتي له. فالعلاقة بين الذات والآخر هي علاقة تشييئية صراعية كلّ واحد يشيّئ الآخر ويزعجه. هذه العلاقة المتوتّرة بين الأنا والآخر تطرح أزمة تواصل بينهما. فكلّ منهما يمثّل خطرا بالنسبة للآخر.

2. الوجه الإيجابي في علاقة الأنا بالآخر

في خضمّ هذا الصراع هناك وجه ايجابي. فنظرتي الآخر إليّ، تجعلني ألتفت لذاتي لأرى ما قد يكون رأى. ثمّ إن حالتي النفسية و أنا وحدي ليست هي عينها بعد أن أشعر بنظرة الآخر لي. فعندما أكون وحيدا في حديقة منزلي مثلا أتصرّف بشكل صبياني وأفعل ما أريد وأنا سعيد بذلك، لكن بمجرّد أن أكتشف أن هناك شخصا كان يراقبني أعتدل وأشعر بالخجل. هذا يعني أن الذات اكتشفت خجلها بسبب وجود الآخر. مثال ثان، إذا شاركت في مسابقة للعدو الريفي اكتشف في نهاية السباق حجمي الحقيقي في هذه الرياضة. لا أدركه و أنا جالس في البيت ولا أدركه إذا ركضت وحدي، أدركه إذا تسابقت مع الآخر. فالوعي بالذات عند سارتر يتحدّد وفق معيار التمايز عن الآخر. فالآخر له فضل عليّ لأنّه يجعلني أدرك إمكانياتي الحقيقية لا التي أعتقد أنّي أمتلكها.



Tags

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top