الموضوع4: "إن الأنا لا تخشى الانغلاق بقدر ما تخشى الانفتاح على الآخر". حلّل هذا الموضوع وناقشه.

ECRITS
0

                                                                                                حسن الولهازي (تونس)

الموضوع4: "إن الأنا لا تخشى الانغلاق بقدر ما تخشى الانفتاح على الآخر". حلّل هذا الموضوع وناقشه.

 فهم الموضوع: خواطر أوّلية حول الموضوع

 يعني الموضوع أوّلا أن الأنا تخشى الانغلاق و تخشى الانفتاح أيضا ولكن خشيتها من الانفتاح أعظم من خشيتها من الانغلاق. فما هو المقصود بالانغلاق و الانفتاح؟ و لماذا هذه الخشية؟ ولماذا هناك تفاوت بين الخشيتين؟

ـ قد تكون خشية الأنا من الانفتاح مبرّرة إذا فهمنا الانفتاح في معنى التعامل مع الآخر الذي يمكن أن يكون عدوانيا. و لكن لماذا الخشية من الانغلاق إذا فهمناه في معنى العزلة و الاستقلالية؟

إذا كان الانفتاح أخطر من الانغلاق فيعني ذلك أن فيه خطورة إضافية لا توجد في الانغلاق. فما هي هذه الاضافة؟

أن تخشى الأنا الانغلاق فذلك دليل على نزعتها الاجتماعية و رغبتها في التواصل والانفتاح و في نفس الوقت يعني ذلك أنّها ترى أن حياتها خارج المجموعة لا قيمة لها. و خشيتها من الانفتاح فيه خوف على الهوية وعموما الخوف من عدوان الآخر.

ـ أن تكون الخشية من الانغلاق أدنى من الخشية من الانفتاح فذلك دليل على أن قسوة الآخر أشدّ من قسوة الوحدة.

محاور التحليل أو الوحدات المعنوية

I. الأنا تخشى الانغلاق.

II. الأنا تخشى الانفتاح.

III. خشية الأنا من الانفتاح أعظم من خشيتها من الانغلاق.

التمهيـــــد

يولد الفرد في أسرة  فهي التي تلبّي له حاجياته ومنها يكتسب اللغة و الثقافة فيصبح إنسانا يتحكّم في غرائزه. و هذا يدلّ على فضل العائلة على الفرد. بتفاعل ذلك التكوين الذي يكتسبه الطفل مع استعداداته الفطرية ومكوّناته الذاتية تتشكّل شخصّيته التي ستميّزه عن غيره. لكن مهما كان هذا التفرّد فإن ذلك الشخص يظلّ متعلّقا بذلك الإطار الثقافي الذي نشأ فيه وتربطه به عاطفة قوية لأنّه اكتسب منه الشخصية الأساسية. هذا الارتباط العاطفي هو الذي يجعل كلّ فرد يفضّل الانغلاق على الانفتاح. وإن مال إلى الانفتاح فإنّه يميل إليه بشكل محدود بحيث لا تتغلّب رغبته في الانفتاح على رغبته في الانغلاق.

الإشكاليــــة

لما تخشى الأنا أو أي شخص في المجتمع الانفتاح؟ هل يمثّل الآخر خطرا جدّيا على الأنا؟ لماذا تفضّل الأنا الانغلاق على الانفتاح؟

التحلـيـــل

I. خشية الأنا من الانغلاق

1. معنى الانغلاق = العزلة

أ. مادّيا وعمليّا: الحرمان من خدمات الآخر، محدودية التعاون الفعلي.

ب. روحيا وعاطفيا: الحرمان من الاستفادة من ثقافة الآخر، الإفتقار للشعور بالإنتماء إلى مجتمع انساني. غياب الصداقة والتعاطف. تتحوّل الحياة في عزلة روحية عن الغير إلى الحياة في سجن.

2. مبرّرات الخشية من الانغلاق

أ. حاجة الفرد لمعرفة نفسه وهي معرفة لا تتم إلاّ بالمقارنة مع الغير. يقول سارتر في "الوجود و العدم" "الغير هو الوسيط الضروري بيني وبين نفسي"

« Autrui est le médiateur indispensable entre moi et moi-même »

ب. حاجة الفرد للتعبير عن همومه و الخوف من الوقوع في الوسواس.

ج. الخوف من العجز عن تلبية الحاجيات بمجهود ذاتي.

د. كلّ فرد يسعى ليُعترف به على مستوى محلّي وعالمي فهو في حاجة لوعي الغير.

II. خشية الأنا من الانفتاح

1. مبرّرات الخشية من الانفتاح

ـ الخوف من الوقوع تحت سيطرة الآخر وما يتبع ذلك من استغلال.

ـ الخوف من التعرّض للنقد و السخرية.

← الانفتاح مغامرة يصعب التكهّن بنتائجها ويصعب إصلاح ما يترتّب عنها من كوارث. (مثال الفضيحة لا تعالج)

2. أسس الخشية من الغير وبالتالي من الانفتاح

ـ موقف فلسفي: الغريب خبيث ويجب أن نحذر منه. يقول هوبس "الإنسان ذئب للإنسان". الغير ليس جديرا بالثقة و التضحية.

ـ الإنسان تسيّره مصلحته أكثر ممّا تسيّره أخلاقه. علاقتنا بالغير هي عموما علاقة جافّة مصلحية أكثر منها روحية و أخلاقية. قد تكون هناك حياة مشتركة لكن في الواقع كأنّها بين غرباء. الانغلاق عزلة روحية وليس بالضرورة فعلية. فقد تكون حتّى بين الأزواج.

III. الانفتاح أخطر من الانغلاق

ـ مشاكل الانغلاق تتمحور حول الحرمان من خدمات الآخر، بينما مشاكل الانفتاح تتمثّل في الخوف من الوقوع تحت عدوان الآخر. الحرمان أهون من العدوان.

ـ يتوقّف حلّ مشاكل الحرمان على الأنا ويمكن التغلّب عليها بتنظيم العمل والاجتهاد، لكن مشاكل الانفتاح يتوقّف في جانب منه على الغير.

ـ مشكل الحرمان المرتبط بالانغلاق يتوقّف عند الحرمان بينما المشاكل التي قد تترتّب على الانفتاح هي مشاكل لا تمحي من الزمن. فقد تؤدّي فضيحة إلى صراع بين شخصين أو قبيلتين أو دولتين.

ـ الانغلاق وضعية تعيسة لكن لا تحتمل مفاجآت، عكس الانفتاح الذي يمثّل مغامرة لا نستطيع أن تكهّن مسبّقا بنتيجتها ومداها. فهي وضعية مفتوحة على أتعس الاحتمالات.

الـتــعـلـيـــــــق

قد نلوم الأنا لأنّها تخشى الانفتاح على الآخر وقد نراها متكبّرة عليه خاصّة ونحن نعلم أنّها لا تقدر أن تستغني عنه. ولكن الواقع أن الأنا ليست ضدّ الانفتاح على الآخر تماما، ولكنّها تطلب انفتاحا يسمح لها بإطلاق طاقاتها، انفتاحا لا يقضي عليها. المشكل في الآخر وليس في الأنا. ولكن ونحن نقول هذا الكلام لا يغيب عنّا أن من جهة أخرى الأنا هي الآخر في نظر الآخر عندما يقول الآخر عن نفسه أنا. بتعبير آخر هذا الآخر الذي أسمّيه الآخر ينظر لنفسه على أنّه "أنا" وينظر لي على أنّني "الآخر". بهذا الشكل ألا يكون كلّ شخص يشتكي من غيره هو في نفس الوقت محلّ شكوى من غيره. لو أدرك كلّ فرد ينقد غيره أنّه هو أيضا مشكلة بالنسبة لغيره وحاول تبعا لذلك أن يتقبّل الآخر كما هو دون أن يفرض عليه قيوده لكان الانفتاح أمرا مرغوبا فيه ولكانت العلاقات الإنسانية مثمرة للجميع.

الخاتـمـــــة

يذهب في ظنّ الأنا أن المشكل في الآخر وتنسى أنّها هي أيضا آخر وهي إذ تتّهم الآخر ترسم الخطوة الأولى نحو نقدها من قبل الآخر. هل يأتي يوم يفهم فيه كلّ إنسان هذه الحقيقة فيحدث تغيّر جذري في العلاقات الإنسانية العلاقات بحيث تنبني على الانفتاح والتعاون و التعايش السلمي رغم الاختلاف بين الأفراد؟

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top