18. الحارس والمدير

ECRITS
0

 حسن الولهازي (تونس)

الحارس والمدير
  
    قبل أن أطلب قهوة و"شيشة" من النادل قال لي سمير: "أترك ذلك الآن وتعال لأحكي لك ما حصل للمدير البارحة". يشغل سمير مدير حسابات في مصنع للجلد. أعرفه منذ أيّام الطفولة توجّه هو لدراسة الإقتصاد وتوجّهت أنا لدراسة الطبّ. ورغم إختلاف إختصاصنا ومشاغل الحياة فقد صمدت صداقتنا في وجه الأيام. قلت له: " خيرا إن شاء الله ماذا حصل؟" قال لي:  "أصدر المدير منذ أيّام أمرا للحارس الليلي مفاده أن لا يتسامح مع كلّ من يقترب من المؤسسة مهما كانت التكاليف. البارحة مع منتصف الليل عنّ له أن يختبر يقظة الحارس. فتنكّر وقصد المصنع. ولمّا كان بصدد مراودة المكان تفطّن له الحارس. فتوجّه إليه سالكا مسلكا خفيّا، ولم يتفطّن مدير المؤسسة لوجود الحارس وراءه إلا والهراوة تهوي عليه".
-لا حول ولا قوّة إلا بالله... على نفسها جنت براقش... وكيف حال المدير الآن؟"
-هو يقيم بالمستشفى الآن وكنت بقربه منذ قليل... وقد ذكر لي أنه محتار بين طرد العامل نتيجة ما سبّبه له من ضرر وبين ترقيته نظرا لجدّيته في عمله.
-وماذا كان ردّك؟
-أنا نفسي محتار... لو رأيت الحالة التي كان عليها المدير!!... اللهم ألطف بنا.
-ماذا تقصد؟ هل أفهم من كلامك أنّك مع طرد العامل؟ بهذا الشكل تكون قد حكمت على المسكين بالطرد في جميع الحالات.
-كيف ذلك؟
-طبعا! فلو تمكّن المدير من السرقة والإفلات لإتّهم العامل المسكين بالتقاعس ولطرده أيضا. ولا أخفيك سرّا إن قلت لك إن هذا المدير يستحقّ ما ناله.
 -اللهم لا شماتة!! لماذا تقول هذا الكلام؟
 -أقوله لأنّ المديرين عادة ما يبثّون في العمّال هوس الإلتزام بالتعليمات. يحثّونهم على تنفيذها بصرامة كالروبوات، ولا يراعون قدراتهم في إستنباط الحلول حسب الظرف، ولمّا يلتزمون بالتعليمات وتحصل كوارث يلقى اللوم عليهم وحدهم.

  وهمّ سمير بالوقوف، فسألته "إلى أين؟" فقال لي إن النادل تأخّر وسيأتي بالقهوة بنفسه. فمسكت بتلابيبه وقلت له "ليس قبل أن تعدني بمساعدة هذا العامل في الحصول على ترقية". صمت سمير قليلا قال: "أعدك بذلك".
Tags

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top