41. العقلية السيّاسية القطاعية

ECRITS
0
                                    

حسن الولهازي (تونس)

  
العقلية السيّاسية القطاعية

أن يدافع حزب عن مبادئه ووجهة نظره، فذلك أمر عادي. وأن تدافع النقابة عن مصالح منظوريها فذلك أمر عادي أيضا. وأن يوجد تنافس بين المسؤولين السيّاسيين من عمد ومعتمدين وولاّة... حول الرّفع من المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للجهة التي يشرفون عليها فذلك يدخل في صلب عملهم. ولكن أن يتحوّل الوطن إلى مجموعة من الفئات أو الجماعات تقودها الأحزاب والنقابات والقيادات وتغيب فيها الرّوح الوطنية فإنّنا نكون تجاه كارثة يمكن أن نطلق عليها: العقلية السيّاسية القطاعية. بسبب هذه العقلية المريضة يدافع المسؤول السيّاسي والإداري عن الإقليم أو الجهة التي يشرف عليها بقطع النظر عن المصلحة العامّة وتصبح المصلحة الوطنية من درجة ثانية. ولنأخذ مثالا على ذلك: هذه نقابة المعلّمين تطالب بالترفيع في الأجر وتهدّد بالإضراب ومقاطعة الامتحانات الوطنية. لبّت الحكومة تحت الضغط، مطالب نقابة التعليم، فصرخت نقابة أعوان التنطيف. وحذت حذوها نقابة موظّفي الكهرباء والغاز وتلتها نقابة أعوان الصحّة... وكأنّ هناك غنيمة وكلّ فئة تحاول أن تغنم أكبر نصيب. واضطّرت الحكومة تحت ضغط هذه المطالب للتداين من الدوّل الأجنبية ولا مسؤول نقابي أو حزبي أو سيّاسي فكّر في الهاوية التي يدفعون الوطن إليها.
وهذا وال أو مسؤول سياسي يشرف على منطقة ساحلية، تجده يتقرّب للمسؤولين في أعلى هرم السلطة ويجاملهم وقد يدفع رشاوي لا لشيء إلاّ لتحوز جهته النصيب الأوفر من المشاريع والخدمات والمرافق الصحيّة والاقتصادية والثقافية وهو يعلم جيّدا أن هناك مناطق أكثر فقرا وأعظم حرمانا من منطقته، ولكن لا يدافع عنها وكأنّها ليست جزءا من وطنه. أي عقلية هذه! وأيّ وطنية! ومن غرائب الأمور تحصل في حركة نقل الولاّة أمور مضحكة. فبعد أن يجتهد الوالي في تطوير جهته بطريقة يمكن أن نقول "لاوطنية" و"لاأخلاقية" تقع نقلته إلى تلك المناطق التي ساهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في إبقائها في فقرها المدقع وعليه الآن أن ينتهج نفس الأسلوب الذي انتهجه سابقا حتّى ولو اقتضى الأمر أن يفتكّ من الجهة التي ساهم في بنائها. يا سبحان الله!.
وهذا مدير معهد يرفض تسجيل تلميذ بالمعهد الذي يشرف عليه رغم أن التلميذ مضطرّ لذلك بحكم نقلة عمل والده إلى المدينة التي يوجد بها ذلك المعهد. ما هي حجّة المدير في هذا الرّفض؟ السبب هو أن التلميذ راسب والمدير يخاف إن فتح الباب أمام قبول التلاميذ الرّاسبين وذوي المعدّلات الضعيفة فستكون نسبة النجاح ضعيفة وستنظر الجهات الرّسمية إلى ذلك على أنّه تقصير من المدير في أداء واجبه وقد يقع الاستغناء عن خدماته ويفقد هو الامتيازات المترتّبة عن منصبه. لذلك يتبرّأ بعض مديري المعاهد من التلميذ الرّاسب كما يتبرّأ السليم من الطاعون. مدير بهذه العقلية لا يفكّر في مصلحة أبناء وطنه بل يفكّر في منصبه ومصلحته وكأنّ هذا المعهد هو بيته الخاصّ ومن حقّه أن يمنع من لا يرغب فيه من دخوله. ولو يتصرّف كلّ مدير معهد حكومي بهذه العقلية فسوف يحرم كلّ تلميذ ضعيف أو راسب من النقلة إذا رغب في ذلك، وسيتبرّأ منه كما يتبرّأ من حامل مرض معدي.
إذا كانت حياة الفرد مع الجماعة تلزمه بواجبات، فإن مسؤولية المسؤول السياسي والإداري والنقابي وكلّ من هو في مركز قيادة، هي مسؤولية أعظم. ومن المفروض أن يلقّن كلّ مسؤول سياسي منذ توليه لمنصبه، أن مصلحة الوطن فوق كلّ اعتبار (عائلي، حزبي، جغرافي، تاريخي...). ولكن من سيلقّنه ذلك؟ المسؤول السياسي الأعلى منه؟ ولكن فاقد الشيء لا يعطيه. فكيف يلقّن المسؤول السياسي الأعلى من هو أدنى منه وهو نفسه يفتقر للعقلية الوطنية ويقدّم عائلته وأقرباءه وجهته على الوطن؟
   
Tags

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top