معلوم أن الميتافيزيقا هي جزء من الفلسفة وهي
في نظر أوغست كونت تجيب عن سؤال: لماذا؟ عكس العلم الذي يجيب عن سؤال كيف؟ ولا
يوجد قسم من المعرفة الإنسانية أثار جدلا حول مشروعيته وأبعاده بقدر ما أثارته
الميتافيزيقا. هناك تيّارات فكرية دافعت عنها أو أرستها (الأفلاطونية، فلسفة
القرون الوسطى، الديكارتية، الهيجلية...). وهناك من نقدها محاولا تحويلها إلى علم،
ويظهر ذلك في الفلسفة النقدية مع كانط. ولكن هناك شقّ آخر إعتبر أن هذا القسم من
المعرفة هو لغو يجب تجاوزه و يضمّ الوضعية والبرجماتية والوجودية الملحدة ولكن
الفلسفة الأكثر عداء للميتافيزيقا بل إنّها ذهبت إلى حدّ اعتبارها أداة إيديولوجية
تستخدمها الطبقة الحاكمة للإستغلال الطبقة الكادحة هي الماركسية. لماذا كانت
ومازالت الميتافيزيقا كما يقول كانط عبارة عن ساحة معركة لم يفز فيها فارس بقصب
السبق لحدّ الآن؟ لماذا لم يرتق هذا القسم من المعرفة إلى مستوى العلمية مثل بقية
العلوم؟ ولماذا رغم ذلك مازال يحتفظ بجاذبية كبيرة؟
منذ أن وعى الإنسان، سعى لأن يعرف، لأن المعرفة بالنسبة له سلاح. وحتّى تكون سيطرته على الطبيعة كاملة لا يجب تقتصر هذه المعرفة على معرفة الطبيعة بل يجب أن تتجاوزها إلى ما بعد الطبيعة. ومن المفارقات أن سعي الإنسان لمعرفة ما وراء الطبيعة سبق معرفته للطبيعة اعتقادا منه أن التحكّم في الظواهر الطبيعية يكون بالتحكّم في أرواح هذه الظواهر. لكن الذي يهمّنا هنا هو كيف تشكّل مجال الميتافيزيقا عند الإنسان؟ كيف تأتّى للإنسان السؤال الميتافيزيقي؟
معروف أن الطبيعة يسودها نظام. فالظواهر التي يحتكّ بها الإنسان منتظمة في سلسلة من الأسباب والنتائج. فرغم أن الإنسان لم يعرف حقيقة التفاعل بين الظواهر إلا أنّه أدرك نظام الطبيعة. مثال ذلك أنّه لم يعرف قانون الجاذبية و لكن يعرف أنّه عندما يرمي عصفورا بسهم سوف يسقط على الأرض. من هنا استوعب الإنسان مبدأ ذهنيا صار يفكّر به هو مبدأ الحتمية بل هو نفسه أصبح يستغلّ هذا المبدأ لتحقيق أغراضه كأن يدسّ السمّ لعدوّه ليقتله.
تدريجيا وبفضل تطوّر الوعي أخذ الإنسان الكون برمّته كظاهرة وتساءل عن سببها: من خلق الكون؟ هناك فلاسفة يعتبرون أن مبدأ السببية هو مبدأ فطري في الذهن مثل ديكارت ولايبنيتس. وبقطع النظر عن طبيعته، أواقعيا كان أم فطريا، فإن المهمّ هو أن الإنسان وبناء على هذا المبدأ أخذ الكون كظاهرة وتساءل عن سببها.
طبعا علّة الكون ولأنّها أحدثت الكون يجب أن تكون سابقة عنه. وطالما أنّها كذلك فهي مجرّد فرضية. فالعقل هو الذي بسط مشكلا من زاوية نظره، فالمشكل مشكل نظري. فالمسائل الميتافيزيقية هي مسائل ذاتية من خلق الذهن. فعندما نسأل من أحدث الكون؟ فنحن لسنا أمام مجرّد سؤال. نحن تجاه مأزق (مأزق ذهني) ومن كان في مأزق، يبحث عن حلّ، لا يبحث عن الحقيقة لذلك "يعقلن" هذا الواقع لكي يصبح مقبولا من وجهة نظره. فالمنطق الإنساني لا يقبل أن يكون الكون قد وجد صدفة ولا يقبل أن يكون هناك نظام دقيق في الكون في غياب عقل مدبّر حكيم يشرف عليه.
قد يعترض معترض بالقول وأين المشكل في ذلك؟ أين المشكل في أن يهتدي الإنسان بعقله إلى وجود خالق لهذا الكون؟
المشكل هو أنّنا لا نستطيع أن نعرف أنّنا إكتشفنا وجود الله أم إختلقنا وجوده. هل أن التأمّل في الكون وإستنتاج أن هناك عقلا مدبّرا حكيما يسيّره كاف لإثبات وجود الله؟ هل أن الله موجود لا لشيء إلا لأنّ عقولنا لا تقبل الصدفة وترى أنّ الله يجب أن يوجد؟ إلى متى سنظلّ نعظّم نظرتنا للكون مثل الإنسان البدائي؟ كيف نفرّق بين أنّنا اكتشفنا وجود الله وبين أننا نختلق وجوده؟
خلاصة القول: قد يكون الله موجود ولكن لا نستطيع أن نثبت وجوده للملحد، ولا نستطيع أن نلغي وجوده عند المتديّن. لماذا؟ لأنّ الله لا يكشف عن نفسه ـإن كان موجودا- إلا من خلال آثاره. وفي تقييم هذه الآثار والكشف عن أبعادها ومدلولاتها اختلف الناس. وهذا الإختلاف مشروع إذ كيف أتأكد من وجود شيء هو في الحقيقة لا يوجد إلا عن طريقي؟ ألم يشك ديكارت في معقولية العقل بفرضية الشيطان الماكر؟
منذ أن وعى الإنسان، سعى لأن يعرف، لأن المعرفة بالنسبة له سلاح. وحتّى تكون سيطرته على الطبيعة كاملة لا يجب تقتصر هذه المعرفة على معرفة الطبيعة بل يجب أن تتجاوزها إلى ما بعد الطبيعة. ومن المفارقات أن سعي الإنسان لمعرفة ما وراء الطبيعة سبق معرفته للطبيعة اعتقادا منه أن التحكّم في الظواهر الطبيعية يكون بالتحكّم في أرواح هذه الظواهر. لكن الذي يهمّنا هنا هو كيف تشكّل مجال الميتافيزيقا عند الإنسان؟ كيف تأتّى للإنسان السؤال الميتافيزيقي؟
معروف أن الطبيعة يسودها نظام. فالظواهر التي يحتكّ بها الإنسان منتظمة في سلسلة من الأسباب والنتائج. فرغم أن الإنسان لم يعرف حقيقة التفاعل بين الظواهر إلا أنّه أدرك نظام الطبيعة. مثال ذلك أنّه لم يعرف قانون الجاذبية و لكن يعرف أنّه عندما يرمي عصفورا بسهم سوف يسقط على الأرض. من هنا استوعب الإنسان مبدأ ذهنيا صار يفكّر به هو مبدأ الحتمية بل هو نفسه أصبح يستغلّ هذا المبدأ لتحقيق أغراضه كأن يدسّ السمّ لعدوّه ليقتله.
تدريجيا وبفضل تطوّر الوعي أخذ الإنسان الكون برمّته كظاهرة وتساءل عن سببها: من خلق الكون؟ هناك فلاسفة يعتبرون أن مبدأ السببية هو مبدأ فطري في الذهن مثل ديكارت ولايبنيتس. وبقطع النظر عن طبيعته، أواقعيا كان أم فطريا، فإن المهمّ هو أن الإنسان وبناء على هذا المبدأ أخذ الكون كظاهرة وتساءل عن سببها.
طبعا علّة الكون ولأنّها أحدثت الكون يجب أن تكون سابقة عنه. وطالما أنّها كذلك فهي مجرّد فرضية. فالعقل هو الذي بسط مشكلا من زاوية نظره، فالمشكل مشكل نظري. فالمسائل الميتافيزيقية هي مسائل ذاتية من خلق الذهن. فعندما نسأل من أحدث الكون؟ فنحن لسنا أمام مجرّد سؤال. نحن تجاه مأزق (مأزق ذهني) ومن كان في مأزق، يبحث عن حلّ، لا يبحث عن الحقيقة لذلك "يعقلن" هذا الواقع لكي يصبح مقبولا من وجهة نظره. فالمنطق الإنساني لا يقبل أن يكون الكون قد وجد صدفة ولا يقبل أن يكون هناك نظام دقيق في الكون في غياب عقل مدبّر حكيم يشرف عليه.
قد يعترض معترض بالقول وأين المشكل في ذلك؟ أين المشكل في أن يهتدي الإنسان بعقله إلى وجود خالق لهذا الكون؟
المشكل هو أنّنا لا نستطيع أن نعرف أنّنا إكتشفنا وجود الله أم إختلقنا وجوده. هل أن التأمّل في الكون وإستنتاج أن هناك عقلا مدبّرا حكيما يسيّره كاف لإثبات وجود الله؟ هل أن الله موجود لا لشيء إلا لأنّ عقولنا لا تقبل الصدفة وترى أنّ الله يجب أن يوجد؟ إلى متى سنظلّ نعظّم نظرتنا للكون مثل الإنسان البدائي؟ كيف نفرّق بين أنّنا اكتشفنا وجود الله وبين أننا نختلق وجوده؟
خلاصة القول: قد يكون الله موجود ولكن لا نستطيع أن نثبت وجوده للملحد، ولا نستطيع أن نلغي وجوده عند المتديّن. لماذا؟ لأنّ الله لا يكشف عن نفسه ـإن كان موجودا- إلا من خلال آثاره. وفي تقييم هذه الآثار والكشف عن أبعادها ومدلولاتها اختلف الناس. وهذا الإختلاف مشروع إذ كيف أتأكد من وجود شيء هو في الحقيقة لا يوجد إلا عن طريقي؟ ألم يشك ديكارت في معقولية العقل بفرضية الشيطان الماكر؟