الموضوع 3 : هل يقتضي الوعي بالذات استبعاد الغير؟

ECRITS
0

                                                         حسن الولهازي (تونس)

الموضوع 3 : هل يقتضي الوعي بالذات استبعاد الغير؟

ملاحظة: (الاستبعاد سيعالج هنا بمعنى أنّه غير ضروري ليس استبعادا بمعنى الدفع و التخلّص)

تمهيـــــــــــــد

كلّ شخص في هذا العالم في حاجة ليثبت وجوده وليبرز قدراته حتّى يشعر بقيمته. طبعا محاولاته هذه تتمّ في إطار اجتماعي. هذا اللقاء بالغير عادة ما يربك الوعي  ممّا يجعل عملية الوعي بالذات عملية معقّدة.

ملاحظة: لا نقول عملية صعبة، ولا نقول أن هناك عراقيل من طرف الغير. نحاول أن نتجنّب الحكم الصريح على علاقة الوعي بالغير لأنّ ذلك مضمون التحليل.

الإشكالـيــــة

ما منزلة الغير في عملية الوعي بالذات هل يعدّ عائقا يجب استبعاده أم أساسا يجب اعتماده؟ هل أن الغير بحكم ما يمتلكه من وعي، يساعدني في وعي بذاتي أم يعرقلني؟

التحليـــــــــــــــل

I. استبعاد الغير كشرط لتحقّق الوعي بالذات

1.دلالة الوعي بالذات

الوعي بالذات هو عملية إدراكية حدسية (داخلية) فيها تتفطّن الذات لوجودها وماهيتها. هذا الوعي بالذات جعل بعض الفلاسفة ومنهم ديكارت يعتبرون أن الذات هي في نهاية المطاف وعي مستبعدين بذلك كلّ العوامل الأخرى بما فيها الجسد.

2. مبرّرات هذا الاستبعاد

تدرك الذاتُ الغيرَ وحتّى كائنات أخرى، على أنّها مواضيع خارجية مباينة لها. الوعي لا يمكن أن يخطئ في الوعي بذاته، فهو يعي ما هو و يصف ما عداه بأنّه ليس هو. يدرك ذاته بطريقة حدسية بديهية أي بمعزل عن كلّ ما هو خارجي. هذه البداهة هي التي أخرجت ديكارت من الشكّ في الوقت الذي لم يكن فيه أي شيء موجود. وهذا يعني أن الذات ليست في حاجة لأيّ شيء بما في ذلك الغير لتعي بذاتها.

II. اعتراف الغير بي هو شرط وعي بذاتي

1. في الفرق بين الوعي بوجود الذات والوعي بماهية الذات

لا شكّ أن الوعي بالذات هو عملية حدسية لا يشوبها خطأ،  ولا تُتعلّم من الغير، ولكن الوعي بحقيقة الذات مسألة أخرى. ألا يذهب المريض النفسي إلى المحلّل النفسي ليكشف عن لاشعوره وبيّن له حقيقة ذاته؟ المجنون يعي، ولكن من المستبعد أن يعي أنّه مجنون. إن الوعي حتّى عند الإنسان العادي عادة ما يكون مغرورا فيبالغ في مدح نفسه. ولكن حتّى يتجنّب هذا التعالي الزائف، هو مطالب بأن يثبت ذاته أمام الغير ليتمّ الاعتراف به. يقول هيجل "فالفرد الذي لم يجازف بحياته قد يُنتزع منه الإعتراف به"

2. الوجود الواعي يستمدّ حقيقته من سياق البينذاتية

تكشف تجربة الخجل التي تحدّث عنها سارتر عن أهمّية الغير في وعي بذاتي. عندما يكون الفرد وحيدا يكون في حالة انسجام وحرية وتلقائية ولكن ما إن يحسّ بحضور الغير من خلال نظراته حتّى تنعدم هذه الحرية وينتابه التوتّر والارتباك والخجل. وعي بذاتي كشخص مرتبك و خجول سببه الغير المواجه لي. وأنا مطالب بأن أتعامل مع هذا الموقف. فالغير له دور في وعي بحقيقة ذاتي وله دور في تعديل سلوكي.

التعليــــــق

انتهينا إلى أن الغير ليس شرّا بل هو ضروري لندرك قيمتنا ولتستقيم حياتنا. والواقع أن الحكم فيه مبالغة فالغير يضمّ العالم و الجاهل والمستقيم و المنحرف و الفاضل و المجرم و الصادق والكاذب.... فهل المستعمر الذي يستعمر غيره هل جلب معه التعمير أم الدمار؟ الحرية أم العبودية؟

الخاتـمــــة

- لا يكون امتلاك الذات لذاتها والظفر بحرّيتها في استبعاد الغير مهما كانت أخلاقه بل الواقع أن هذا الاستبعاد قد يعيقنا إذا كنّا أمام غير مفيد لنا. فالغير الفاضل يظلّ هو البوصلة التي ندرك بها مواقفنا من أنفسنا.

- إن استبعاد الغير موقف يقوم على الجهل بالذات ككائن طبيعته التعالي وجهل للغير ككائن إجتماعي يمكن أن نستفيد منه.

 

 

 

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top