مـقـولات أرسـطو
لأن المعرفة عند السفسطائيين
تتحدّد بشكل الحوار لا بجوهره، ولآنّ الهدف منها هو الإقناع لا البرهان، ولأنّ
رغبة الفيلسوف هي معرفة الحقيقة وبالتالي التقرّب من الألوهية بقدر الطاقة
الإنسانية، أسكن أفلاطون الحقائق في عالم المثل بعيدا عن العوام والسفسطائيين والحواس
والواقع معتبرا المثل معايير لمحاكمة الإحساسات والظنون والأوهام. أمّا أرسطو فقد
وضع من أجل ذلك كتابا في المنطق ومن بين ما درس فيه، درس المقولات والقضيّة والحكم
والقياس والاستدلال وكلّ ذلك لحماية الذهن من الوقوع في الزلل والتالي الابتعاد عن
الخطأ والسفسطة.
ماهي المقولات التي
ذكرها أرسطو؟ ما علاقتها بالحكم؟ وكيف تتشكّل الأحكام؟ وماالذي يقبل
الخطأ المقولة أم الحكم؟
أوّلا:معنى المقولات التي ذكرها أرسطو
درس أرسطو المقولات في القسم الأوّل من
كتاب "الأرغانون" (كتاب المنطق) والذي يدور حول العبارات أو المفردات.
يدور القسم الثاني حول الأحكام والقضايا أمّا القسم الثالث فيهتمّ بالأقيسة
والبراهين.
المقولات كما حدّدها أرسطو عشرة: جوهر
وتسعة محمولات.
هذه المقولات العشر لخّصها العرب في بيتين
من الشعر:
زيد طويل أزرق ابن برمكي ۞ كان فـي داره
بالأمـس متّكأ
بيـده سيــف لواه فألتــوى ۞ فهذه
المقولات العشر سواء
1)زيد: لفظة تشــير إلى
مقولــة الجوهر la substance
2)طويل:← الكم la quantité
3)أزرق:← الكيف la qualité
4)ابن
برمكي:← العلاقة، النسبة، la relation
5)في
داره:← المكان le lieu
6)بالأمس:← الزمان le temps
7)متكّأ: ← الوضع la position
8)بيده
سيف:← الملكية la possession
9)لواه: ← الفعل l’action
10)فإلتوى← الإنفعال la passion
1)الجوهر la substance
الجوهر هو الموجود الذي تضاف إليه جميع
المحمولات الأخرى. وفي تحديد آخر يقول هو ما يقوم بنفسه ولا يحتاج في قوامه إلى
شيء آخر خارج عنه. ميّز أرسطو بين نوعين من الجواهر، الجواهر المادّية وهي الأشياء
المادّية مثل إنسان، حصان، وأشياء معنوية مثل حرّية، عدالة، ديمقراطية...
2)الكــــــــمّ la quantité
هي مقولة تعبّّر عن كلّ ما يمكن قياسه أو
عدّه. والسؤال الذي يطرح هنا هو كم؟ وقد ميّز أرسطو وكذلك الفلاسفة العرب بين الكم
المتّصل كالمسطّح الأقليدي le plan euclidien والكم
المنفصل كالأعدادles nombres
3)الكيـــــــف la qualité
هي المقولة التي تبحث في هيأة الشيء كما
تبحث أيضا في ما يحدث للجسم من عوارض كالصلابة أو الليونة مثلا أو من عوارض نفسيّة
تدخل على الجسم الإنساني كالغضب أوالخجل.
4)العلاقة أو النسبة la relation
تشير هذه المقولة إلى الطريقة التي ترتبط
بها الأشياء ببعضها البعض كقولنا كثير بالمقارنة مع القليل.
5)المكــــان le lieu
هو موضع وقوع الفعل: هنا، هناك، في المنزل،
في السوق،....
6)الزمــــان le temps
هو تاريخ حدوث الفعل: أمس، اليوم،
7)الوضــــع la position
الوضع يتحدّد بهيأة وجود الشيء أو الطريقة
التي يوجد عليها كقولنا نائم، راكض....
8)الملكيّــــــة la possession
تشير إلى تبعيّة شيء أو أشياء إلى موضوع
معيّن كقولنا زيد منتعل أو مسلّح.
9)الفعـــــل l’action
يعبّر عن صدور الفعل.
10)الإنفعــــال la passion
يعبّر عن تلقّي الفعل.
هل الجوهر مقولة تناظر بقيّة المقولات؟
للجوهر ميزة تميّزه عن بقيّة المقولات.
فهذه المقولات هي أمور مضافة أو مسندة إليه. فالجوهر هو محور الحديث بينما
المقولات بمثابة توابع. فهي بالنظر للشخص الذي يصدر حكما مقولات أي ما يقوله هو عن
الجوهر. فعندما يقول "زيد طويل" فقد تحدّث عن الطول وأضافه إلى زيد،
فكانت صفة الطول أو مقولة الكم هي المطروحة هنا. وهي بالنظر للجوهر محمولات لأنّ
الجوهر "زيد" هو الذي يحمل صفة الطول. وبهذا المعنى يجوز أن نتحدّث عن
مقولات أو محمولات مستثنين الجوهر طبعا لآنّ المقولات التسع تحمل عليه بينما هو لا
يحمل على شيء.
وجه الاختلاف الثاني بين الجوهر وبقيّة
المقولات هو أن الجوهر يقبل الأضداد، فيجوز أن نقول عن زيد "زيد صغير" و
نحكم عليه بعد سنوات بالقول "زيد كهل"، بينما المحمول لا يقبل ضدّه إلا
بزواله. فإمّا هو أو نقيضه.
ثانيا: دور المقولات في تشكيل الأحكام
إذا نظرنا إلى كلّ مقولة في حدّ ذاتها كقولنا:
طويل، في السوّق،.... فإنّنا نكون قد قدّمنا أفكارا لا معارف لأنّ السّامع سيسأل
من هو الطويل؟ ومن هو في السّوق؟ فإذا قلنا "زيد طويل" نكون قد قدّمنا
معرفة. قدّمناها في شكل قضيّة une proposotion.
وكلّ قضيّة هي بالضرورة حكم un jugement يقع
فيها إلحاق المحمول le prédicat بالحامل le sujet.
فالحامل في هذا المثال هو زيد والمحمول هو الطول. وتبعا لذلك يمكن أن نحاكم أو
نقيّم هذا الحكم أو التأكيد l’affirmation بالصواب
أو الخطإ. فإن كان زيد طويلا فعلا قلنا عن هذا الحكم إنّه صائب وإن كان قصيرا قلنا
عن هذا الحكم إنّه حكم خاطئ. لكن بالنظر إلى الحامل وحده (زيد مثلا) والمحمول وحده
(طويل مثلا) لا نستطيع أن نحكم.
تعليــــــق
من المشاكل التي تطرحها مقولات أرسطو: كيف
توصّل الذهن الإنساني إلى المقولات؟ ما الذي ضبط هذا التحديد بالذات لماذا هناك
جوهر تحيط به تسع مقولات فحسب لا أكثر ولا أقلّ؟
هل استمدّ أرسطو المقولات من نظام اللغة
بحيث يوازي الجوهر الإسمَ، وتوازي الكيفيّة الصفة، وتوازي الكمّية الأعداد، ويوازي
الوضع الحال وهكذا... أم استمدّها من التجربة بحيث إن طبيعة الأشياء بحدّ ذاتها
تفرض هذه المقولات؟
تقدّم فلسفة كانط إجابة عن هذا السؤال.
فالمقولات لا تعود لا للغة ولا للتجربة بل للذهن. فهو بعد أن عدّل مقولات أرسطو
فاحتفظ بالبعض كالزمان والمكان وأضاف أخرى كالسلب والإيجاب، اعتبرها جزءا من
تركيبتنا الذهنية توجد بوجوده لذلك يسمّيها المقولات القبليّة a préori ولكنّها
توجد كقوالب فارعة.