المقال 60. الإرادة الطيّبــة

ECRITS
0

                                                                                           حسن الولـهازي (تونس)

الإرادة الطيّبــة

 

للنجاح عدّة عوامل ولكن أهمّها على الإطلاق هو: الاستماع إلى صوت الضمير الناصح لا صوت الشهوة المضرّة. أن تفعل ما يفيدك رغم أنّك لا تشتهيه ولا تفعل ما يضرّك رغم أنّك تشتهيه ذلك هو سرّ النجاح. تشتهي أكل المرطبات لا تأكلها. تشتهي التدخين لا تدخّن. لا تشتهي النوم باكرا، نمْ باكرا. لا تشتهي القيام بواجباتك، قم بها. ما يشتهيه الشخص يجب أن يتطابق مع الضمير والعقل وقواعد الصحّة. الشهوات المضرّة والعادات السيّئة يجب أن يتخلّص منها غير مأسوف عليها.

هذا المبدأ الذي ذكرناه هو مبدأ يسهل العمل به بالنسبة لمن هو مقتنع به، ويصعب العمل به بالنسبة لمن هو مُسْتَعْبَدٌ من العادة. لذلك يمكن أن نسمّيه سرّ. هو سرّ لأنّنا نجهل قيمته. نجهل فعله السحري. نحن نضخّم عجزنا ولا ندرك أن عادتنا السيئة ضعيفة أمام الإرادة القوية. ماذا سيحصل من سيّء إذا توقّفت عن فعل ما يضرّك،  وفعلت ما ينفعك؟ لن يحصل إلاّ الخير.

 ربّما العقبة الوحيدة والخطيرة في نفس الوقت التي تعترض متّبع هذه النصيحة هي: هل أن الأمر يستدعي أن أفتح حربا على نفسي؟ هل هناك جدوى فعلية من وراء هذا الحرمان، من وراء إلزام نفسي بما لا أريد ولا أطيق؟ أ لا تختلّ حياتي وأخسر أكثر ممّا ربحتُ؟ الجواب هو التالي: إذا كان الأمر لا يستدعي هذا الحرمان، فهل أن الاستمتاع الناتج عن فعل ما يضرّ ضرورة؟ أليس فيه تحرّر من عادات تستعبدنا إن لم نقل تضرّنا؟ ما هو غير ضروري مضرّ.  ثمّ نحن نستمتع بتلبية شهواتنا ولكن أليس في الحرمان متعة من نوع آخر؟ أليس من يتّبع شهواته ضعيفا ومن يقتل شهواته قويّا؟ لتذهب الشهوة إلى الجحيم. لن يحصل ألم أكبر من ألم التمزّق النفسي أو ألم عدم الرضا عن الذات. الإرادة الطيّبة هي الإرادة التي تريد ما هو ضروري فقط (الأكل، الشرب، النوم، النجاح،...). أما ما هو غير ضروري فهو مضرّ (التدخين، القهوة، الخمر....)

قد يعترض البعض على هذا المبدأ بالقول إنّنا بهذا التحليل نثير زوبعة في فنجان. ما يجب أن يطلبه الإنسان حقيقة هو النجاح في الحياة لا أن يشغل نفسه بالحرب على نفسه. لقد كان الأديب اللبناني ميخائيل نعيمه يدخّن إلى سنّ التاسعة والتسعين كما كان العالم الفيزيائي اينشتاين مدخّنا وربّما لو توقّف أحدهما عن التدخين لأندثرت عبقريته باعتبار أنّه سيفتح على نفسه حرب مقاومة هذه العادة.

ماذا أقول؟ المسألة شخصية بحتة. إذا كان صاحب العادة السيئة لا يستطيع أن يتوقّف عن إتيانها أو أنّه لا يرى فيها خطرا فليواصل حياته بالشكل الذي يروق له ويتحمّل النتائج. لكن نحن هنا نتحدّث عن صاحب الضمير الحيّ الذي يريد أن يتّبع صوت الواجب ولكنّ هناك عادات سيّئة يقوم بها ويريد أن يتخلّص منها. نحن هنا لا نتحدّث عن المستهتر فهذا قد ينجح وقد لا ينجح ولكن نتحدّث عمّن يريد أن يتّبع صوت الحكمة من وجهة نظره ولكن العادات السيّئة تشدّه إلى الوراء. لهذا الشخص نقول: ارم بها لن يحصل إلا الخير.

مسألة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار: من الذي يحدّد ما يجب؟ المجتمع، العقل، الطبيعة؟ ما يحدّد الواجب هو ضميرك. ليس الضمير في المطلق، ليس الضمير الإنساني ولكن ضميرك. ما هو الفرق بينهما؟ هناك واجبات وهناك نواهي. قد ينجح البعض رغم فعل ما لا يجب لكن هؤلاء ليسوا مقياسا لك. إذْ طالما أنّك لست راض عمّا تقوم به فلن تظفر بالسكينة. الشخص الذي له عادات سيّئة ومضرّة ومع ذلك لا يؤنّبه ضميره، مبدئيا لا تعدّ هذه العادة السيّئة مشكلة بالنسبة له. أقول مبدئيا لأنّ مضارّها قد تظهر بعد زمن طويل. ساعتها يدرك هذا الشخص أن هذه العادة خطر بالفعل. لكن المشكل يكون عند الشخص الذي له عادة سيّئة حاول عدّة مرّات أن يتخلّص منها. يا ليْتَه كان مثل الشخص الذي لا يبالي. فهذا الشخص وإن كان يضرّ بجسمه فهو في راحة نفسية. من كان ضميره حيّ فليس أمامه إلاّ أن ينصاع إليه. إن لم يكن ذلك فلن يظفر بالرّاحة.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 

                                                                         

 

Tags

Enregistrer un commentaire

0Commentaires

Please Select Embedded Mode To show the Comment System.*

To Top